المرجعية الوطنية للسلام

موسى عبدالله قاسم
عضو الهيئة التأسيسية للملتقى الثقافي اليمني - ماليزيا

January 24, 2020

تأتي الذكرى السادسة لتوقيع وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، 25 يناير 2020، في وقت باتت الحاجة الوطنية إلى اعتماد هذه الوثيقة، دون سواها، منهجاً عملياً لاستعادة الدولة ومؤسساتها ونظامها الجمهوري الخالد، أهدافاً وقيماً، ومن ثم الشروع في بناء اليمن الجمهوري الاتحادي الجديد، بأقاليمه الستة، المتجاوز للأوهام السلالية العنصرية والنزعات الجهوية المناطقية، التقسيمية والتقزيمية.

قبل ست سنوات من الآن، كانت أعناق اليمنيين مشرأبة إلى غدهم المأمول وهم يحملون سِفرهم الخالد الذي خطته أناملهم على مدى أشهر طويلة، والمتمثل بوثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، بُغية نقل اليمن دولةً وشعباً، من مرحلة الاستقرار الهش إلى مرحلة الاستقرار الدائم، بنظام جمهوري اتحادي جديد، ودستور وطني عادل، يكفل حرية الناس ويصون حقوقهم، دون تمييز أو تمايز، وعلى قاعدة الكفاءة في الأداء والعدالة في التوزيع للثروات الوطنية.

وقد كان اليمنيون على بعد خطوة واحدة من تحقيق ذلك المطمح الوطني لولا خروج أعداء اليمن الاتحادي من أقبية المكر والتآمر لينقلبوا على اتفاقات اليمنيين وتوافقاتهم ويشعلوا الحرب المدمرة في كل ربوع الوطن؛ متسلحين بأوهام القداسة وخرافات الحق الإلهي، ومدججين بشتى أنواع الضغائن والأحقاد تجاه بناء الدولة الاتحادية المدنية القوية، التي تتلاشى في وجودها تلك المشاريع المادون وطنية، المتأتية من مسارب خارجية ارتهانية أو داخلية استحواذية تسلطية يجمعها مصبّ الحيلولة دون نهضوية اليمن الاتحادي ورسم مستقبله المأمول.

إن النظام الاتحادي الفيدرالي الذي تضمنته وثيقة مخرجات الحوار الوطني كان الاستجابة المُثلى لحل معضلة يمنية مستفحلة، جوهرها الصراع على الحكم وجموح التسلط والنفوذ، وقد دفع اليمن دولة وشعباً أثماناً باهظة جراء ذلك الصراع بعد -ثورة- سبتمبر وأكتوبر الخالدة. هذا النظام الاتحادي ليس بجديد على تاريخنا اليمني التليد، إذ من لا يستلهم من تاريخه لا يمكنه استشراف مستقبله، ومن هنا فإن الدولة الاتحادية سبق وأن أقامها اليمنيون الأوائل على كامل التراب اليمني، تحت مسمى الأقاليم المكونة للدولة، في إيحاء إلى أن فيدرالية الدولة لا تغمط حق أحد، بشرا أو جغرافيا.

تلك الدولة الفيدرالية القديمة كانت المسلّة الأولى في المنطقة العربية كلها، بنظام حكمها المدني المتقدم ونواميسها التشريعية العادلة، وقد تولّد عن نشوئها ازدهاراً سياسياً واقتصادياً مُبْهراً، وتطوراً تشريعياً وقضائياً سابق لعصره، وكانت النتيجة أن عمّ السلام المجتمعي كل الأقاليم وانعكس ذلك على رفاه اليمنيين وتحسُّن مناحي حياتهم، وبروز دولتهم كواحدة من الدول الفاعلة والمؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي لقرون من الزمن.

هذا الاستدلال من واقع مجتمعنا اليمني يجعل من وثيقة مخرجات الحوار الوطني بمحاورها الرئيسية الستة المرجعية الوطنية للسلام المأمول في اليمن، لاسيما بناء الدولة بشكلها الجمهوري الاتحادي المكوَّن من ستة أقاليم، ذلك أن محركات الصراعات الداخلية غالباً ما كانت تأخذ طابع ردة الفعل على جور استحكام منطقة أو جماعة بعينها، لاسيما في ظل اليمن الجمهوري شمالاً وجنوباً، ما يولّد شعورا بالمرارة والتململ لدى المناطق والجماعات الأخرى، لتبدأ عجلة الصراع حركتها ودورانها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحرب المستعرة اليوم في كل شبر من اليمن تداخلت في اندلاعها أسباب عديدة، إلا أن السبب الرئيس يتمحور في رغبة السيطرة والاستحكام لدى جزء صغير وهامشي من التركيبة السكانية اليمنية، وقد تأتت تلك الرغبة من استجرار ماضٍ يأبى اليمنيون أن يعود، ولتفادي ذلك كله، فإن المدخل الأنجع لإشاعة السلم المجتمعي وإيقاف طاحونة الحرب وتجاوز كل مسببات الاحتراب هو اعتماد وثيقة مخرجات الحوار الوطني كقاعدة صلبة ومرجعية عليا في بناء دولة العدالة والتعايش والمواطنة والسلام.

إن السلام العادل والشامل والمستدام الذي يتطلع إليه اليمنيون لا يمكن أن يكون واقعاً مُعاشاً إلا إذا كان أساسهُ الحفاظ على الثوابت الوطنية وتراكمات نضالات اليمنيين عبر التاريخ، وكل تلك الثوابت تضمنّتها مخرجات الحوار الوطني الشامل التي لم تكن وليدة العام 2014م بقدر ما كانت عُصارة تاريخية وصيرورة نضالية جمعت نخْبَ نضالات الحركة الوطنية اليمنية بآمالها وتطلعاتها، وقد كان لشباب ثورة فبراير السلمية المجيدة الدور الأبرز في صياغة هذا السِفْر السبئي الخالد بعد خروجهم إلى ساحات الحرية وميادين التغيير مطالبين ببناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة المناهضة لدعوى الحق السلالي العنصري والمنادية بالحق الوطني السامي بكل ما يحتمله هذا الحق من أبعاد ودلالات ومفردات.

وثيقة
مخرجات الحوار الوطني

تحميل الوثيقة ←

مسودة
دستور اليمن الجديد

تحميل مسودة الدستور ←